المهندس/إسلام الفقى WebMaster
عدد المساهمات : 148 تاريخ التسجيل : 02/04/2009 الموقع : www.el-fiky.webs.com
| موضوع: «طارق البشرى» بقلم د.مصطفى الفقى ٢٦/ ٣/ ٢٠٠٩ الخميس أبريل 02, 2009 6:08 pm | |
| «طارق البشرى»
بقلم د.مصطفى الفقى ٢٦/ ٣/ ٢٠٠٩
عندما عدت من «لندن» حاملاً الدكتوراه فى العلوم السياسية من «كلية الدراسات الشرقية والأفريقية» وأردت أن أترجم الرسالة إلى العربية وأنشرها حتى تكون فى متناول المصريين جميعاً، لأنها تتصل بالشأن القبطى والرموز التاريخية لقضية الوحدة الوطنية فى مصر، كان من الطبيعى أن أسعى إليه فهو الرائد الحقيقى فى هذا النوع من الدراسات، كما أننى أفدت من كتابه الشهير فى هذا الموضوع، فاتجهت إلى «طارق البشرى» سليل العائلة المرموقة فى مجالات الأدب والعلم والدين، وطلبت منه أن يكتب لى مقدمة الطبعة العربية من كتابى «الأقباط فى السياسة المصرية، مكرم عبيد نموذجاً» وقد استجاب ذلك المفكر الكبير لمطلبى ودفع بالمقدمة إلى «دار الشروق» التى مازلت أرى فيما جاء بها تكريماً كبيراً لى منذ قرابة ثلاثين عاماً، ثم اقتربت منه مرة أخرى ومعنا رجل القضاء الراحل صاحب الدراسات المستنيرة فى الوحدة الوطنية المستشار «وليم سليمان قلادة»، حيث صدر لنا كتاب مشترك عام ١٩٨١ بعنوان «الشعب الواحد والوطن الواحد» الذى كتب مقدمته أستاذنا الدكتور «بطرس بطرس غالى»، ثم تعاقبت لقاءاتنا المشتركة فى صحبة الصديق الدكتور المهندس «أحمد حمدى» أحياناً أو السفير «شكرى فؤاد ميخائيل» أحياناً أخرى، وعندما كان مستشاراً قانونياً لجامعة القاهرة أبلغته بتوصية من شخصية مهمة لطالب دراسات عليا فى كلية طب الأسنان حول مسألة تخصه بالشؤون القانونية بالجامعة ورد على الرجل باستقامته المعروفة قائلاً «أما التوصية فلقد تلقيناها، أما صاحب المظلمة فسوف ينال ما يطلب إذا كان صاحب حق»! ولابد أن أعترف هنا بأنى شعرت بغصة فى أعماقى وأسف شديد عندما جرى تخطى «طارق البشرى» فى رئاسة مجلس الدولة بطريقة غير مباشرة، وظللت دائماً أتابع مسيرته الفكرية كمثقف رفيع القدر جمع بين الإحاطة القانونية والثقافة السياسية والرؤية التاريخية، فأصبح بحق واحداً من أهم مؤرخى التطور السياسى والاجتماعى فى مصر الحديثة، حيث وقفت إلى جانبه دائماً زوجة فاضلة وهى صحفية مرموقة تنتمى إلى بيت عريق فى ميدان السياسة ومجال الأدب، ولابد أن أعترف مرة أخرى بأن متابعتى لمسيرة ذلك المفكر الكبير قد أرهقتنى كثيراً، فقد قام الرجل بنقلة فكرية واضحة فى العقد الأخير، فلم يعد معارضاً للنظام السياسى فقط، ولكنه تجاوز ذلك إلى وضوح مسحة دينية متأصلة أراها متجذرة فى عائلته العريقة، بل وشعرت أحياناً أنه قد خرج على السياق الأصلى لمسيرته الفكرية فلم تعد الوحدة الوطنية هى إيمانه الأول رغم أنه رائد الكتابات الرصينة فيها والحوارات العميقة حولها بل تعددت رؤاه فى مسارات مختلفة.ولا شك أن عمليات التحول الفكرى لدى الكبار من أمثال «طارق البشرى» هى أمر طبيعى لأنها تعكس حيوية الفكر وتنوع الرؤية والقدرة على التجدد، وهى أمور نفتقدها على الساحة العامة حالياً، وكلما جمعتنى بالأستاذ «طارق البشرى» مناسبة ما شعرت وكأنه يعاتبنى فى صمت لأنه يحسبنى على نظام لا يرضى عنه، بينما كثيرون فى ذلك النظام ينظرون إلى أحياناً كمعارض مستتر لا تجب الثقة به ولا الاستثمار فيه! وذلك أمر يؤكد فى أعماقى أننى أمضى فى خدمة وطنى بانتماء له يتقدم كثيراً عن كل ما عداه من انتماءات سياسية أو حزبية، وعندما أقرأ للأستاذ «طارق البشرى» الآن وأقارن ذلك بكتاباته الأولى أشعر بفارق العمر ووقر السنين،كما أدرك أن الرجل يحمل من عذابات الزمن وهموم الدهر ما تخفيه شخصيته الراقية ونفسيته الهادئة وصمته الملفت أحياناً، خصوصاً أنه يعرف الكثير كما يتذوق فترات من تاريخ مصر الحديث ويعايش التجربة بضمير وطنى وصدق مع النفس وزهد فى المناصب حتى إننى لم أكن أعرف أن الوزير «ظافر البشرى» شقيقه إلا بعد سنوات من معرفتى بهما، فهى عائلة لا تحب المظاهر ولا تهوى الألقاب.هذه رؤيتى لشخصية شربت من ماء النيل وارتوت من روح الإسلام وتعلقت بأهداب الوطن وعكفت فى صبر على القراءة الجادة والتنقيب العلمى الموضوعى والبحث فى المصادر الأصلية والدراسات الموثوق بها، لذلك دخل الرجل المكتبة العربية من أوسع أبوابها، وفرض اسمه على الساحة الفكرية رائداً وموجهاً، مثلما كان فى الساحة القضائية قدوة فى النزاهة وعلماً مرموقاً فى «هيئة مفوضى مجلس الدولة» ونبراساً مضيئاً للأجيال القادمة
| |
|